بقلم : شادي راحيناما
ترجمة : ابراهيم قازو
يا حبيبي ! عندما تأتي بقربي ، أحضر لي شعلة
و نافذة (1)
فروغ فروخزاد ، واحدة من أعظم الشاعرات
الإيرانيات المعاصرات ، أحدثت تصدعا في رحم وجودها حتى تتجرأ على وصف إحساسها
كامرأة . و الذهاب إلى عكس القوانين التقليدية للمجتمع . فجعلت ، حينئذ ، معاناتها
في خدمة الشعر ، المسرح ، و السينما ، حتى يكون الفن `` نافذة للنظر ، الرقص ، الصراخ ،
والبكاء`` (2)
ولدت فرغ فروخزاد بطهران سنة 1934 في أسرة
كثيرة الأفراد . و تحت تأثير والدها المهتم كثيرا بالأدب ، وخصوصا الشعر ، اهتمت
فروغ باكرا بهذا المجال ، و بدأت تكتب بعض القصائد الصغيرة التي كشفت عن موهبة
شعرية جلية . بعد أن أنهت دراساتها ، تدربت على فني التصميم و الرسم . و في سن
السادسة عشرة من عمرها ، مغرمة بشغف ، تزوجت پرويز شاپور Parviz Chapour، الذي يكبرها بخمسة عشر سنة . في سنة 1952 ، ظهرت
مجموعتها الشعرية الأولى الموسومة بعنوان : الأسيرة ، و عمرها لم يتجاوز سبع عشرة
سنة . هذه المجموعة عرفتها على الجمهور . كما نشرت أيضا بعض القصائد في مجلات
متعددة . و قد أثارت ضجة إحدى قصائدها التي نشرتها بعنوان : الخطيئة :
اقترفت
خطيئةً مليئة بالشهوة ،
اقترفت خطيئة في حضن دافئ و متوقد .
اقترفت خطيئة في حضن دافئ و متوقد .
`` لأول مرة في تاريخنا الأدبي ، تتحدث
امرأة عن رغبتها ، و كذلك عن شهواتها`` (3) .
و قد أصبحت بعدها
موضوع العديد من المقاربات ، و اتهمت ، على الخصوص ، بأنها فاسقة . في حين كانت حياتها
الزوجية تتدهور، لم تكن ولادة ابنها كاميار كافية كي تخلصها من السأم . و من الحزن
الذي يغلفها و يشلها . و بعد طلاقها رفضت الحفاظ على ابنها الوحيد ، الذي لم تره
حتى موتها .
عندما كانت ثقتي معلقة بحبل العدالة المرن .
و في المدينة كلها يقطعون قلوب أنواري
حينما اغلقوا عيون حبي الطفولية
بعُصابة القانون السوداء
و في أوقات مُتعكِّرة من عيني
ينبجس الدم
و في حياتي
لم يكن هناك شئ ، لا شئ سوى تَكْتَكَة الساعة
لقد فهمت : يجب ، يجب ، يجب
أن أعشق الجنون (4)
و بموازاة مع الشعر ، اهتمت فروغ بالمسرح و
كذلك بالسينما ، فقد أخرجت فيلما وثائقيا بعنوان : البيت أسود ، الذي يعرض الحياة
البئيسة لمرضى الجذام .
لقد كتبت عدة مجاميع شعرية من
ضمنها الأسيرة (1952)
، الجدار (1957)
، العصيان (1959)
، ولادة ثانية (1962) ،
و أخيرا مجموعة ``لنؤمن بحلول الفصل
البارد
``، التي لم
يسمح لها موتها المفاجئ سنة 1966 ، على
إثر حادثة سير مرعبة ، بإكمالها .
الشعر مرآة امرأة
يمكن تقسيم العمل الشعري لفروغ إلى جزأين
مختلفين ، يشهدان على تطور فكر مبدعتهما التي تخرج تدريجيا من الإطار المقيد
للأحاسيس الأنثوية . كي تصل إلى عالم أكثر شساعة يهم الوجود
، الكائن البشري و الحياة اليومية .
فالقصائد التي
تضمها
المجاميع الشعرية الثلاث (الأسيرة ، الجدار ، العصيان)
و المؤلفة من سنة 1952 إلى 1959 ، تعكس ، مثل مرآة ، صورة امرأة و حيدة و متمردة .
تحركها أحاسيس أنثوية خالصة ، و تقف ضد القواعد و الأعراف الاجتماعية التقليدية .
تهيمن موجة الشغف على الجو الشعري لقصائد فروغ الأولى . وكل هذا الشعب الذي يعبر
روحه يُعبر عنه من خلال شبكة من الكلمات تضع في الضوء تعرجات فكرها و أحاسيسها :
قلب ، حب ، ليل ، عتمات ، قبلة ، أمل ، أسف ، سجن ، رغبة ، قبر ، موت ، الله ، يد
، نافذة...نعد أيضا الكلمات التي نجدها بشكل متكرر من قصيدة إلى أخرى . تُعبر عن
حياة امرأة مسجونة داخل شرنقة الحياة الزوجية ، لتحاكم وجودها الفارغ و الذي بدون هدف ، الرتيب و غير المفيد . امرأة ، كي
تتخلص من خيبة الأمل و السأم ، تلجأ إلى عالم الشعر الساحر . و تعبر ، تحت شكل
رباعيات و من خلال تجميع كلمات ، تعابير و صور ، عن مطالب أنثوية . و الأبيات
التالية تظهر إلى أي حد الإحساس بأن تكون سجينة يتسلط على الشاعرة :
أفكر و أعرف أنني
أبدا
لن أستطيع التحرر
من هذا القفص
حتى و إن حررني
السجان
فلن تكون لدي
القوة كي أطير (5)
الشعر : نظرة امرأة متشائمة إلى العالم
انطلاقا من `` ولادة ثانية ``عثرت ، أخيرا ، على لغتها الخاصة ، التي
تتغذى من تجاربها الأنثوية خاصة . في هذه المجموعة تقدم لنا فروغ نوافذ مفتوحة على
عوالم أخرى ، و التي تعبر من خلالها عن الأحاسيس التي لم تجربها أبدا داخل عالم
الأعراف الأنثوية المحدود . و هي تتبنى بجرأة وجهة نظر متشائمة ، تصف فيها مجتمع
زمانها ، و مشاكل الشعب الإيراني في مرحلة وسطى بين التقليد و الحداثة – في كلمة واحدة : الحياة اليومية . و كل هذا مستعملة
لغة بسيطة و في نفس الوقت مزخرفة .
لعل الحياة
زقاق طويل ،
تعبره كل يوم امرأة بسلتها
لعل الحياة
حبل
به يعلق نفسه رجل إلى شجرة
لعل الحياة
تلميذ
يدخل إلى المدرسة
لعل الحياة هي إشعال سيجارة
فضاء مخدر بين عناقين ( 6 )
مع ذلك ،
فإنه في االعمل الشعري الأخير لفروغ ``لنؤمن بحلول الفصل البارد `` المؤلف
من قصائدها التي كتبت خلال الثلاث سنوات الأخيرة من حياتها ، تظهر الولادة الشعرية
الجديدة للشاعرة التي بلغت أوجها . حيث تصور الشاعرة وضعيتها في الأبيات التي
تفتتح المجموعة :
و أنا
امرأة وحيدة
تقترب من فصل بارد
فهمت الآن وجود الأرض الملوث
و يأس السماء البسيط و حزنها
و ضعف يديها الإسمنتيتين .( 7 )
كل قصائد هذه المجموعة ليست سوى تطويرا
لأفكارها الأولى التي تقدم لنا صورة كائن بشري مجروح و حساس ، يتأمل العالم من
خلال نافذة كبيرة . القارئ في ذلك شاهد على تحول جذري في ما يتعلق بالشكل أكثر من
المضمون . الشاعرة تظهر أكثر فأكثر ملهمة من طرف الشاعر نيما Nima **. فقد غادرت
شكل الرباعيات كي تتبنى أسلوبا أكثر حرية ، مرتبط بسعة أفقها و كذلك سعة خيالها .
إن الشاعرة
فروغ لا تبحث عن اتباع مسار جمالي فقط . و لكنها تصبو أكثر لوصف العالم الواقعي
بجميع تجلياته المادية و الروحية . و ذلك باستعمال ألفاظ بعيدة عن اللغة الشعرية
أحيانا . إنها تتحدث عن الأشياء العادية ، مما يسمح لها بأن تكشف لنا خبايا لا
قيمة لها و غير متوقعة من الحياة اليومية .في هذا الاتجاه ، فالألفاظ الرومانسية
التي تهيمن على العالم الشعري لدى فروغ في بداية طريقها الأدبي تختفي شيئا فشيئا
في مجموعتيها الأخيرتين . الحب ، الليل ، و النافذة تظهر فيهما بطريقة متميزة .
لكن المعنى المحتوى في هذه الألفاظ هو موضوع تحول كبير . فهذه الشاعرة الكبيرة
أدخلت إلى العالم الشعري ألفاظا جديدة مثل مكنسة ، مطبخ ، حبل غسيل ، شذرات ،
طائرة ورقية ، مزهرية ، كلمات متقاطعة ، دخان السيجارة ، اتساع الحب ، الجمعة
المضجرة ، كوب ، دولاب ، فسقية ، سبحة زجاج ، أزقة فارغة...كذلك يتحول شعر فروغ
إلى شعر ملموس ، حي و أكثر قربا من يومي كل إنسان .
إن شعر
فروغ هو ، تقريبا ، انعكاس للحياة . يمكن أن نقول حسب نيما Nima: هي واحدة من الشعراء المعاصرين العظام . و التي ،
بعد نشرها لثلاث مجموعات شعرية ، أحدثت أيضا ولادة جديدة داخل الشعر الفارسي .
----------------------------------------------
إضاءات :
* النص
مترجم عن مجلة طهران التي تصدر باللغة
الفرنسية :Revue de Téhéran, Numéro N° 13,
décembre 2006
** نيما هو الشاعر الإيراني نيما يوشيج Nima Youshij ( 1897 / 1959 ) ، اسمه الحقيقي علي اسفندياري ، أبو الشعر الفارسي و رائده الأكبر . و قد
اعتبرت قصيدته الطويلة التي نشرها سنة 1921 بعنوان ``الأسطورة ``بمثابة بيان للشعر الإيراني الحديث . فقد كسر
الأشكال القديمة و حرر الشعر الإيراني من قيود القصيدة العمودية . ( المترجم )
[1] Revue de Téhéran, Numéro 1, p 55.
[2] Hoghoughi,
Mohammad, Notre poésie contemporaine 4/ Forough farrokhzad, éd.
Negab, Téhéran, 1383, p. 31.